سورة الشعراء - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)}
{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التى فَعَلْتَ} يعني قتل القبطي. وبخه به بعد ما امتن وعظمه عليه بالإبهام الذي في الموصول، وأراد في ذلك القدح في نبوته عليه السلام. وقرأ الشعبي {فَعْلَتَكَ} بكسر الفاء يريد الهيئة وكانت قتلة بالوكز، والفتح في قراءة الجمهور لإرادة المرة {وَأَنتَ مِنَ الكافرين} أي بنعمتي حيث عمدت إلى قتل رجل من خواصي كما روي عن ابن زيد أو وأنت حينئذٍ من جملة القوم الذين تدعي كفرهم الآن كما حكي عن السدي، وهذا الحكم منه بناءً على ما عرفه من ظاهر حاله عليه السلام إذ ذاك لاختلاطه بهم والتقية معهم بعدم الإنكار عليهم وإلا فالأنبياء عليهم السلام معصومون عن الكفر قبل النبوة وبعدها، وقيل: كان ذلك افتراء منه عليه عليه السلام، واستبعد بأنه لو علم بإيمانه أولًا لسجنه أو قتله، والجملة على الاحتمالين في موضع الحال من إحدى التائين في الفعلين السابقين.
وجوز أن يكون ذلك حكمًا مبتدأ عليه عليه السلام بأنه من الكافرين بإلهيته كما روي عن الحسن أو ممن يكفرون في دينهم حيث كانت لهم آلهة يعبدونهم أو من الكافرين بالنعم المعتادين لغمطها ومن اعتاد ذلك لا يكون مثل هذه الجناية بدعًا منه، فالجملة مستأنفة أو معطوفة على ما قبلها، والأولى عندي ما تقدم من جعل الجملة حالًا لتكون مع نظيرتها في الجواب على طرز واحد لتعين الحالية هناك ولما يتضمن كلام اللعين أمرين تصدى عليه السلام لردهما على سبيل اللف والنشر المشوش فرد أولًا ما وبخه به قدحًا في نبوته أعني قوله: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ} إلخ اعتناءً بذلك واهتمامًا به وذلك بما حكاه سبحانه عنه بقوله جل وعلا:


{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)}
{قَالَ فَعَلْتُهَا} أي تلك الفعلة {إِذَا} أي إذ ذاك على ما آثره بعض المحققين سقي الله تعالى ثراه من أن {إِذَا} ظرف مقطوع عن الإضافة مؤثرًا فيه الفتحة على الكسرة لخفتها وكثرة الدور، وأقر عليه السلام بالقتل لثقته بحفظ الله تعالى له، وقيد الفعل بما يدفع كونه قادحًا في النبوة وهو جملة {وَأَنَاْ مِنَ} أي من الجاهلين وقد جاء كذلك في قراءة ابن عباس. وابن مسعود كما نقله أبو حيان في البحر لكنه قال: ويظهر أن ذاك تفسير للضالين لا قراءة مريوة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأراد عليه السلام بذلك على ما روي عن قتادة أنه فعل ذلك جاهلًا به غير متعمد إياه فإنه عليه السلام إنما تعمد الوكز للتأديب فأدى إلى ما أدى، وفي معنى ما ذكر ما روي عن ابن زيد من أن المعنى وأنا من الجاهلين بأن وكزتي تأتي على نفسه، وقيل: المعنى فعلتها مقدمًا عليها من غير مبالاة بالعواقب على أن الجهل عنى الإقدام من غير مبالاة كما فسر بذلك في قوله:
ألا لا يجلهن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وهذا مما يحسن على بعض الأوجه في تقرير الجواب المذكور، قيل: إن الضلال هاهنا المحبة كما فسر بذلك في قوله تعالى: {تالله إِنَّكَ لَفِى ضلالك القديم} [يوسف: 95] وعنى عليه السلام أنه قتل القبطي غيرة لله تعالى حيث كان عليه السلام من المحبين له عز وجل وهو كما ترى، ومثله ما قيل أراد من الجاهلين بالشرائع، وفسر الضلال بذلك في قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًا فهدى} [الضحى: 7]، وقال أبو عبيدة: من الناسين، وفسر الضلال بالنسيان في قوله تعالى: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الاخرى} [البقرة: 282] وعليه قيل المراد فعلتها ناسيًا حرمتها، وقيل: ناسيًا أن وكزي ذلك مما يفضي إلى القتل عادة؛ والذي أميل إليه من بين هذه الأقوال ما روي عن قتادة، وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة القصص ما يتعلق بهذا المقام.
وأخرج أبو عبيد. وابن المنذر. وابن جريج عن ابن مسعود أنه قرأ {فَعَلْتُهَا وَأَنَاْ مِنَ الضالين}.


{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)}
{فَفَرَرْتُ} أي خرجت هاربًا {مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} أي حين توقعت مكروهًا يصيبني منكم وذلك حين قيل له: {إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} [القصص: 20] ومن هنا يعلم وجه جمع ضمير الخطاب، وقرأ حمزة في رواية لما بكسر اللام وتخفيف الميم على أن اللام حرف جر وما مصدرية أي لخوفي إياكم {فَوَهَبَ لِى رَبّى حُكْمًا} أي نبوة أو علمًا وفهمًا للأشياء على ما هي عليه والأول مروى عن السدي، وتأول بعضهم ذلك بأنه أراد علمًا هو من خواص النبوة فيكون الحكم بهذا المعنى أخص منه بالمعنى الثاني، وقرأ عيسى {حُكْمًا} بضم الكاف {وَجَعَلَنِى مِنَ المرسلين} إشارة على ظاهر الأول من تفسيري الحكم إلى تفضله تعالى عليه برتبة هي فوق رتبة النبوة أعني رتبة الرسالة ولم يقل فوهب لي ربي حكمًا ورسالة أو وجعلني رسولًا إعظامًا لأمر الرسالة وتنبيهًا لفرعون على أن رسالته عليه السلام ليس أمرًا مبتدعًا بل هو مما جرت به سنة الله تعالى شأنه، وحاصل الرد أن ما ذكرت من نسبة القتل إلى مسلم لكنه ليس مما أوبخ به ويقدح في نبوتي لأنه كان قبل النبوة من غير تعمد حيث كان الوكز للتأديب وترتب عليه ذلك، ورد ثانيًا امتنانه الذي تضمنه قوله: {أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء: 18] إلخ فقال:

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10